خطب الشيخ عبد الله القرعاوي خطورة الاستهزاء بالدين



الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت المطلع على مكنونات القلوب وما أضمرت الرقيب على كل جارحة بما اجترحت، أحمده سبحانه وأشكره على نعم له لا تحصى عمت وغمرت وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع قائلها في يوم تعلم فيه كل نفس ما قدمت وأخرت وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله بدعوته إلى الله وجهاده في سبيل الله علت راية التوحيد وانتشرت ،صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه مصابيح الهدى ونجوم الدجى، على هديه تربت وفي مدرسته تعلمت، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما أشرقت شمس وغربت، أما بعد
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه فإن من اتقاه كفاه ووقاه وقربه وأدناه
عباد الله:
قلب المؤمن الموحد ممتلئ بتعظيم الله سبحانه وكتابه ورسوله فتوحيده وإيمانه الراسخ يمنعه من أن يصدر منه قول أو فعل فيه استهزاء بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم فأصل التوحيد لا يجتمع مع الاستهزاء وذلك أن التوحيد استسلام وانقياد وقبول وتعظيم ،والاستهزاء بالله أو بشرعه ينافي التعظيم ولهذا فإن من استهزأ بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول عليه الصلاة والسلام أو استهزأ بأصل التشريع أو غير ذلك من أحكام الشرع فقد وقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة سواء كان المستهزئ جادا أو مازحا لمجرد إضحاك الناس وتسليتهم
قال صلى الله عليه وسلم :(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم) ( )
ومن جلس في مجالس الاستهزاء ولم ينكر عليهم أو يغادر مجلسهم فقد شاركهم لقوله تعالى {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}[النساء/140]
عباد الله :
وفي غزوة تبوك قصة عظيمة وحادثة شنيعة ذكرها الله عز وجل بقوله {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون}[التوبة/65]
عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض أنه قال رجل في غزوة تبوك ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق قال ابن عمر كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه وهو يقول: إنما كنا نخوض ونعلب.
عباد الله :
الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أحسن الناس اقتصادا في الأكل وغيره والمنافقون أكثر الناس أكلا كما في الحديث والكافر يأكل في سبعة أمعاء والمنافقون أكذب خلق الله كما وصفهم الله { ألا إنهم هم الكاذبون }[المجادلة/18] والصحابة رضي الله عنهم عدول بالإجماع واختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه وحفظه، وهم من الصدق بالمنزلة العالية والغاية التي ليس فوقها غاية رضي الله عنهم وأرضاهم، والمنافقون هم الجبناء يحسبون كل صيحة عليهم وشجاعة الصحابة رضي الله عنهم مشهورة وما ظهر لهم من الشجاعة والبطولة لا يُعرَف لها نظير وقد أبلوا بلاء حسنا في سبيل الله وصبروا على ما لاقوه.
وفي رواية ابن إسحاق يسيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون أن جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا والله لكأنا بكم مقرنين في الحبال. إرجافا وترهيبا للمؤمنين. فلما سمع عوف بن مالك رضي الله عنه هذه المقولة الخبيثة قال لهذا القائل: كذبت فيما نسبت إليهم ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهذا من النصيحة لله ولرسوله وليس من النميمة في شيء فذكر أفعال أهل المنكر لولاة الأمر ليردعوهم من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا من باب الغيبة والنميمة- ولما ذهب عوف بن مالك ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم وجد القرآن قد سبقه فأتى المستهزئون يعتذرون أنهم لم يقصدوا حقيقة الاستهزاء وإنما قصدوا الخوض واللعب. والمراد الهزل لا الجد والتحدث كما يتحدث الركبان إذا ركبوا رواحلهم وقصدوا ترويح أنفسهم وتوسيع صدورهم ليسهل عليهم السفر وقطع الطريق، فتلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون } [التوبة/65] { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } [التوبة/66] ما يلتفت صلى الله عليه وسلم إلى هذا المنافق من غضبه عليه ولم يقبل عذره الباطل إذا هذه الأمور لا يدخلها الخوض واللعب وإنما تحترم وتعظم إيمانا بالله ورسوله وتعظيما لآياته وتصديقا وتوقيرا، والخائض واللاعب منتقص لها وعلى المؤمن أن يخاف على نفسه من النفاق فقد كان أصحاب تلك المقالة السيئة مؤمنين قبل مقالتهم تلك ثم وقعوا في الكفر بسببها قال تعالى {قد كفرتم بعد إيمانكم } [التوبة/66] فقد كان إيمانهم ضعيفا ولهذا لم يمنعهم من الاستهزاء بالله تعالى ورسوله ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلماء من أجل علمهم أو الوقيعة بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لأجله وفيه أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمله.
قال الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :(القول الصريح في الاستهزاء هذا وما شابه وأما الفعل الصريح فمثل مد الشفه وإخراج اللسان ورمز العين وما يفعله بعض من الناس عند الأمر بالصلاة والزكاة فكيف بالتوحيد وقال: فيه وهي العظيمة أنه من هزل بهذا أنه كافر وقال والفرق بين النميمة والنصيحة لله ولرسوله وبين العفو الذي يحبه الله والغلظة على أعداء الله وأن من الاعتذار ما لا ينبغي أن يقبل.
عباد الله :
والكفر كفران كفر إعراض وكفر معارضة والمستهزئ كافر كفر معارضة فهو أعظم ممن يسجد لصنم فقط، وهذه المسألة خطيرة جدا ورب كلمة أوقعت بصاحبها البلاء والهلاك وهو لا يشعر فقد يتكلم الإنسان بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار فمن استهزأ بالصلاة ولو نافلة أو بالزكاة أو الصوم أو الحج فهو كافر بإجماع المسلمين كذلك من استهزأ بالآيات الكونية بأن قال مثلا إن وجود الحر في أيام الشتاء سفه أو قال إن وجود البرد أيام الصيف سفه فهذا كفر مخرج عن الملة لأن الرب عز وجل كل أفعاله مبنية على الحكمة وقد لا نستطيع بلوغها بل لا نستطيع بلوغها فاتقوا الله تعالى عباد الله واسمعوا إلى قوله عز وجل {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} [النساء/140] اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .


الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا أن الاستهزاء بأصل التشريع كفر والاستهزاء بتطبيق المسلم للشرع كبيرة من كبائر الذنوب
قال الشيخ محمد بن إبراهيم في مجموع فتاواه : من الناس ديدنه تتبع أهل العلم لقيهم أم لم يلقهم مثل قوله: المطاوعة كذا وكذا فهذا يفتى أن يكون مرتدا ولا ينقم عليهم إلا أنهم أهل طاعة أما إذا كان مع شخص أو أشخاص فهذا لا ينبغي لكنه أهون من ذلك.
وفي جواب للجنة دائمة للإفتاء على من قال لآخر : يا لحية أن الاستهزاء باللحية منكر عظيم فإن قصد القائل يا لحية (السخرية )فذلك كفر وإن قصد التعريف فليس بكفر ولا ينبغي أن يدعوه بذلك.
وفي جواب للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه على من زعم أن بعض الأحكام الشرعية تحتاج إلى إعادة نظر يقول رحمه الله : الأحكام التي شرعها الله لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كأحكام المواريث والصلوات الخمس والزكاة والصيام ونحو ذلك مما أوضحه الله لعباده وأجمعت عليه الأمة ليس لأحد الاعتراض عليه ولا تغييره لأنه تشريع محكم للأمة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى قيام الساعة فالواجب عمل ذلك عن اعتقاد وإيمان ومن زعم أن الأصلح خلافه فهو كافر وعلى ولي الأمر أن يستتيبه إن كان مسلما فإن تاب وإلا وجب قتله كافرا مرتدا عن الإسلام نعوذ بالله من ذلك فالواجب على العبد أن يعظم الله وأن لا يتلفظ إلا بكلام عقله قبل أن يقوله لأن اللسان هو مورد الهلكه,.
قال معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام : أو مؤاخذون يا رسول الله بما نقول قال ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو قال على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) رواه أحمد في المسند( )
الله الله في اللسان فإنه أعظم الجوارح خطرا ومما يتساهل فيه أكثر الناس فاحذر الخوض فيما لا يعنيك وبخاصة فيما يتعلق بالدين أو بالعلم أو بأولياء الله أو بالعلماء أو بالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أو بالتابعين أو بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر فإن هذا خطر عظيم فيجب على المسلم أن يخاف على نفسه وأن يحذر من ذلك والناجي من سلمه الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
عباد الله:
 إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب/56] وأكثروا عليه من الصلاة يعظم لكم ربكم بها أجرا
فقد قال صلى الله عليه وسلم (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا)( )
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واحم حوزة الدين
اللهم عليك بمن سب رسولك أو سب صحابته أو سب التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم
اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه وأصلح قلوبهم وأعمالهم وسددهم في أقوالهم وأفعالهم واجمع شملهم وشمل على الهدى يارب العالمين { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } [البقرة/201] اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر اللهم اجعلنا ممن قام رمضان إيمانا واحتسابا يا ذا الجلال والإكرام
اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم نور على أهل القبور من المسلمين والمسلمات قبورهم اللهم اغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضى المسلمين واكتب الصحة والسلامة والعافية والهداية والتوفيق لنا ولكافة المسلمين في برك وبحرك أجمعين
عباد الله :
{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (90) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون } [النحل/90-91]
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

3 التعليقات:

غير معرف يقول...

جزاه الله ألف خير
في ميزان حسناته ان شاء الله...


صلــــوا على النبـــي

غير معرف يقول...

نسال الله المغفرة وحسن الهداية

غير معرف يقول...

جميل و رائع جدا أسأل الله أن تكون في ميزان حسناتك

إرسال تعليق

 
ahjib28mwk